فصل: (في الرَّجُلِ يُكْرِي دَارِهِ سَنَةً عَلَى أَنَّهَا إنْ احْتَاجَتْ مَرَمَّةً رَمَّهَا):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.مَا جَاءَ في تَضْمِينِ الْمُكْتَرِي:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اكْتَرَيْت دَابَّةً مِنْ مَوْضِعٍ إلَى مَوْضِعٍ فَضَرَبْتُهَا فَأَعْنَتّهَا مَنْ ضَرْبِي أَوْ كَبَحْتهَا فَكَسَرْتُ لَحْيَيْهَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: في الرَّائِضِ يُرَوِّضُ فيضْرِبُ الدَّابَّةَ فيفْقَأُ عَيْنَهَا أَوْ يَكْسِرُ رِجْلَهَا: إنَّهُ ضَامِنٌ لِذَلِكَ، فَكَذَلِكَ الْمُكْتَرِي عِنْدِي إذَا ضَرَبَهَا فَأَعْنَتَهَا فَهُوَ مُتَعَدٍّ إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَرَبَ كَمَا يَضْرِبُ النَّاسُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
قُلْت: أَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا إلَّا مَا أَخْبَرْتُكَ في الرَّائِضِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: أَيْضًا في الرَّاعِي: يَضْرِبُ الْكَبْشَ أَوْ يَرْمِيهِ فيفْقَأُ عَيْنَيْهِ أَوْ يُعَنِّتُهُ وَكُلُّ شَيْءٍ صَنَعَ الرَّاعِي ضَمِنَ إذَا أَخَذَهُ مِنْ غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ فَأَصَابَ الْغَنَمَ مِنْ صَنِيعِهِ عَيْبٌ فَهُوَ ضَامِنٌ، وَإِنْ صَنَعَ مَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَهُ فَعِيبَتْ الْغَنَمُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَأْجَرْتُ دَابَّةً فَكَبَحْتُهَا أَوْ ضَرَبْتُهَا فَعَطِبَتْ أَأَضْمَنُ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا ضَمَانَ عَلَيْكَ إذَا فَعَلْتَ مِنْ هَذَا مَا يَجُوزُ لَكَ أَنْ تَفْعَلَهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ عَلَى الْأَجِيرِ الرَّاعِي ضَمَانُ شَيْءٍ مِنْ رَعْيِهِ إنَّمَا هُوَ مَأْمُونٌ فيمَا هَلَكَ أَوْ ضَلَّ يُؤْخَذُ يَمِينُهُ عَلَى ذَلِكَ الْقَضَاءِ عِنْدَنَا يُونُسُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ عَلَى أَجِيرٍ ضَمَانٌ في سَائِمَةٍ دُفِعَتْ إلَيْهِ يَرْعَاهَا إلَّا يَمِينُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَاعَ أَوْ انْتَحَرَ، وَإِنْ كَانَ عَبْدًا يُدْفَعُ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَلَيْسَ عَلَى سَيِّدِهِ فيهِ غُرْمٌ وَلَا في شَيْءٍ مِنْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ.
ابْنُ وَهْبٍ، وَأَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَشُرَيْحٍ الْكِنْدِيِّ وَبُكَيْرٍ مِثْلَهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ بِإِهْلَاكِهِ مُتَعَدِّيًا.

.(في الْكِرَاءِ مِنْ مِصْرَ إلَى الشَّامِ أَوْ إلَى الرَّمْلَةِ):

في الْكِرَاءِ مِنْ مِصْرَ إلَى الشَّامِ أَوْ إلَى الرَّمْلَةِ وَمَنْ مَكَّةَ إلَى مِصْرَ أَوْ مِنْ إفْرِيقِيَّةَ إلَى مِصْرَ:
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اكْتَرَيْت دَابَّةً مِنْ مِصْرَ إلَى الشَّامِ وَلَمْ أُسَمِّ كُورَةً مِنْ كُوَرِ الشَّامِ وَلَا مَدِينَةً مِنْ مَدَائِنِ الشَّامِ أَيَكُونُ الْكِرَاءُ فَاسِدًا أَمْ لَا؟
قَالَ: الْكِرَاءُ فَاسِدٌ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اكْتَرَيْتُ مِنْ إفْرِيقِيَّةَ إلَى مِصْرَ أَوْ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِصْرَ وَلَمْ أُسَمِّ الْفُسْطَاطَ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ مَدَائِنِ مِصْرَ؟
قَالَ: هَذَا عَلَى كِرَاءِ النَّاسِ؛ لِأَنَّ كِرَاءَ النَّاسِ مِنْ إفْرِيقِيَّةَ إلَى مِصْرَ إنَّمَا هُوَ إلَى الْفُسْطَاطِ، وَلَيْسَ مِصْرُ مِثْلَ الشَّامِ؛ لِأَنَّ الشَّامَ أَجْنَادٌ وَكُوَرٌ وَمِصْرَ إنَّمَا يَقَعُ كِرَاءُ النَّاسِ عَلَى الْفُسْطَاطِ، فَكِرَاءُ النَّاسِ مِنْ مَكَّةَ إلَى مِصْرَ إنَّمَا هُوَ إلَى الْفُسْطَاطِ قَدْ عَلِمُوا ذَلِكَ.
قلت: أَرَأَيْتَ إنْ اكْتَرَى مِنْ مِصْرَ إلَى فِلَسْطِينَ وَلَمْ يُسَمِّ أَيَّ مَدَائِنَ فِلَسْطِينَ أَيَكُونُ الْكِرَاءُ جَائِزًا أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: إنَّمَا يَحْمِلُ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا يَكُونُ مِنْ كِرَاءِ النَّاسِ فيمَا يَعْرِفُونَ إنْ كَانَ كِرَاؤُهُمْ إنْ اكْتَرَوْا إلَى فِلَسْطِينَ مِنْ مِصْرَ إنَّمَا يَقَعُ كِرَاؤُهُمْ عَلَى أَنَّهُ إلَى الرَّمْلَةِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَهُوَ إلَى الرَّمْلَةِ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ إنْ اكْتَرَيْتُ مِنْ مَكَّةَ إلَى خُرَاسَانَ وَلَمْ أُسَمِّ كُورَةً مِنْ كُوَرِ خُرَاسَانَ وَلَا مَدِينَةً؟
قَالَ: هُوَ كَمَا وَصَفْتُ لَكَ مِنْ كُوَرِ الشَّامِ؛ لِأَنَّ خُرَاسَانَ كُوَرٌ كَثِيرَةٌ مُخْتَلِفَةٌ.

.في الْكِرَاءِ إلَى مَكَّةَ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَأْجَرْت مَحْمَلًا لِأَحْمِلَ فيهِ امْرَأَتَيْنِ أَوْ رَجُلَيْنِ أَوْ جَارِيَتَيْنِ وَلَمْ أُرِهِ الرِّجَالَ وَلَا النِّسَاءَ وَلَا الْجَوَارِيَ أَيَجُوزُ هَذَا الْكِرَاءُ أَمْ لَا؟
قَالَ: ذَلِكَ جَائِزٌ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِرَجُلَيْنِ فَادِحَيْنِ أَوْ بِامْرَأَتَيْنِ فَادِحَتَيْنِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ كِرَاؤُهُمَا؛ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ خَاصٌّ، وَمَا كَانَ مِنْ كِرَاءِ الْعَامِّ فَذَلِكَ الْكِرَاءُ لَازِمٌ.
قُلْت: أَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا أَقُومُ عَلَى حِفْظِهِ الْآنَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اكْتَرَى مَحْمَلًا إلَى مَكَّةَ لَمْ يُرِهِ وَطَاءَ الْمَحْمَلِ؟
قَالَ: الْكِرَاءُ عَلَى هَذَا جَائِزٌ، وَلَهُ أَنْ يَحْمِلَ مِثْلَ وَطَاءِ النَّاسِ.
قُلْت: أَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا أَقُومُ عَلَى حِفْظِهِ الْآنَ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ الزَّامِلَةُ إذَا لَمْ يُخْبِرْهُ مَا يَحْمِلُ عَلَيْهَا؟
قَالَ: نَعَمْ إنَّمَا يَحْمِلُ عَلَى مَا يَحْمِلُ النَّاسُ في الزَّوَامِلِ، وَالْكِرَاءُ جَائِزٌ.
قُلْت: وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ مَا يَحْمِلُ في الزَّوَامِلِ مِنْ الْأَرْطَالِ؟
قَالَ: وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ فَذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الزَّوَامِلَ قَدْ عُرِفَتْ عِنْدَ الْحَاجِّ، وَالتُّجَّارِ وَالنَّاسِ فَإِنَّمَا يُحْمَلَانِ عَلَى مَا يَعْرِفُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ.
قُلْت: وَعَلَيْهِ أَنْ يَحْمِلَ لَهُ الْمَعَالِيقَ؟
قَالَ: نَعَمْ وَكُلُّ شَيْءٍ قَدْ عَرَفَهُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ في الْكِرَاءِ، فَذَلِكَ لَازِمٌ لِلْكَرِيِّ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَطْت عَلَى الْجَمَّالِ أَنْ يَحْمِلَ لِي مِنْ هَدَايَا مَكَّةَ وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ مَا يَحْمِلُ أَيَجُوزُ هَذَا الْكِرَاءُ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ في هَذَا بِعَيْنِهِ شَيْئًا وَأَرَى إنْ كَانَ ذَلِكَ أَمْرًا قَدْ عُرِفَ وَجْهُهُ فَأَرَى أَنْ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ أَمْرًا لَا يُعْرَفُ وَجْهُهُ فَلَا خَيْرَ في هَذَا الْكِرَاءِ.
قَالَ: وَسَمِعْتُ مَالِكًا وَسَأَلْنَاهُ عَنْ الرَّجُلِ يَسْتَحْمِلُهُ الرَّجُلُ الثَّوْبَ أَوْ الثَّوْبَيْنِ فيحْمِلُهُ في غَيْبَتِهِ وَلَا يُخْبَرُ الْجَمَّالُ بِذَلِكَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ شَأْنِ النَّاسِ.
قَالَ: وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ مَضَى وَجَازَ في النَّاسِ سَحْنُونٌ، وَلَوْ بَيَّنَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ وَسَمَّاهَا وَقَدَّرَهَا وَوَزْنَ مَا كَانَ مِنْهَا يُوزَنُ لَكَانَ أَحْسَنَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اكْتَرَتْ امْرَأَةٌ شِقَّ مَحْمَلٍ فَوَلَدَتْ في الطَّرِيقِ أَيُجْبَرُ الْجَمَّالُ عَلَى حِمْلِ وَلَدِهَا مَعَهَا أَمْ لَا؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَأَرَى أَنْ يَكُونَ عَلَى الْجَمَّالِ حِمْلُ الصَّبِيِّ مَعَ أُمِّهِ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ يَلِدْنَ في الْأَسْفَارِ وَهُنَّ في الْكِرَاءِ، فَمَا سَمِعْنَا أَنَّ امْرَأَةً وَلَدَتْ في الطَّرِيقِ فَحَال الْجَمَّالُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا أَوْ حَمَلَ وَلَدَهَا الْمَوْلُودَ عَلَى بَعِيرٍ وَأُمَّهُ عَلَى غَيْرِهِ.
قَالَ: وَهَذَا أَمْرٌ بَيْنَ الْجَمَّالِينَ مَعْرُوفٌ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا وَلَدَتْ في الطَّرِيقِ فَوَلَدُهَا مَعَهَا يُحْمَلُ في مَحْمَلِهَا، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطُوا ذَلِكَ في أَصْلِ الْكِرَاءِ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ في هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إلَى مَا قَدْ اسْتَجَازَ النَّاسُ فيمَا بَيْنَهُمْ فيحْمَلُ الْخَاصُّ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ عَلَى مَا اسْتَجَازَ جَمِيعُ النَّاسِ بَيْنَهُمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ تَكَارَيْتُ شِقَّ مَحْمَلٍ إلَى مَكَّةَ ذَاهِبًا وَرَاجِعًا وَعَقَبَةَ الْأَجِيرِ أَيَجُوزُ هَذَا في الْكِرَاءِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: ذَلِكَ جَائِزٌ.

.مَا جَاءَ في الْكَرِيِّ يَهْرُبُ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَكْرَانِي إبِلَهُ ثُمَّ هَرَبَ عَنِّي وَتَرَكَهَا في يَدَيَّ فَأَنْفَقْتُ عَلَيْهَا أَيَكُونُ لِي عَلَى الْمُكْرِي النَّفَقَةُ الَّتِي أَنْفَقْت عَلَيْهَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ يَكُونُ لَهُ عَلَيْهِ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهَا.
قَالَ مَالِكٌ: وَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَتَكَارَى عَلَيْهَا مَنْ يُرَحِّلُهَا وَيَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْكَرِيِّ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اكْتَرَيْتُ وَلَمْ آخُذْ مِنْهُ حَمِيلًا ثُمَّ هَرَبَ الْمُكَارِي فَأَتَيْتُ السُّلْطَانَ أَيَتَكَارَى لِي عَلَيْهِ السُّلْطَانُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَفَأَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا تَكَارَيْتُ عَلَيْهِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اكْتَرَيْتُ دَابَّةً بِعَيْنِهَا إلَى مَكَّةَ أَوْ كِرَاءً مَضْمُونًا إلَى مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْبُلْدَانِ عَلَى أَنْ أَرْكَبَ مِنْ يَوْمِي أَوْ مِنْ الْغَدِ فَفَرَّ الْمُكَارِي فَلَمْ أَجِدْهُ إلَّا بَعْدَ ذَلِكَ فَلَمَّا وَجَدْتُهُ أَلْزَمَنِي بِالرُّكُوبِ وَطَلَبَ الْكِرَاءَ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ كِرَاءٍ مَضْمُونٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ صَاحِبَهُ الْكِرَاءُ وَإِنْ فَرَّ عَنْهُ الْمُكْرِي وَلَيْسَ لَهُ عَلَى الْمُكْرِي إلَّا حُمُولَتُهُ، وَعَلَيْهِ الْكِرَاءُ لَازِمٌ لَهُ إلَّا كِرَاءَ الْحَاجِّ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ عَنْهُ وَيُرَدُّ كِرَاؤُهُ إنْ كَانَ قَبَضَهُ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ إذَا ذَهَبَ إبَّانُهُ فَاتَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَمَّا كِرَاءُ الدَّابَّةِ بِعَيْنِهَا فَإِنِّي لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا إلَّا أَنَّهُ بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ في الرَّجُلِ يَتَكَارَى الدَّابَّةَ يَرْكَبُهَا مِنْ الْغَدِ إلَى مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا فيغِيبُ عَنْهُ الْمُكْرِي ثُمَّ يَأْتِيهِ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ؟
قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا رُكُوبُهُ.
وَقَالَ غَيْرُهُ: إنْ رَفَعَ أَمْرَهُ إلَى السُّلْطَانِ نَظَرَ السُّلْطَانُ في ذَلِكَ بِمَا لَا يَدْخُلُ فيهِ الضَّرَرُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنْ رَأَى فَسْخَ الْكِرَاءِ فَسَخَهُ بِمَنْزِلَةِ الدَّابَّةِ تَعْتَلُّ أَيْضًا في الطَّرِيقِ وَلَا يَسْتَطِيعُ الْمُكْتَرِي الْوُقُوفَ عَلَيْهَا لِمَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ مِنْ فَوْتِ أَصْحَابِهِ أَوْ لِمَا يَدْخُلُ عَلَى رَبِّ الدَّابَّةِ في طُولِ مَقَامِهِ عَلَيْهَا وَلَعَلَّهَا لَا تَصِحُّ مِنْ عِلَّتِهَا فيكُونُ عُذْرًا يُفْسَخُ بِهِ الْكِرَاءُ بَيْنَهُمَا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَأَنَا أَسْتَحْسِنُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ تَكَارَاهَا إلَى بَلَدٍ وَإِنْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْكَبَهَا مِنْ الْغَدِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا رُكُوبُهَا، وَإِنْ أَخْلَفَهُ أَصْحَابُهُ في الْبَلَدِ الَّذِي تَكَارَاهَا إلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يُكْرِيَهَا مِمَّنْ أَحَبَّ في مِثْلِ ذَلِكَ، وَإِنْ تَكَارَاهَا أَيَّامًا بِعَيْنِهَا أَوْ شَهْرًا بِعَيْنِهِ نُقِصَ الْكِرَاءُ فيمَا بَيْنَهُمَا فيمَا غَابَ عَنْهُ الْكَرِيُّ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ في الْعَبْدِ يَسْتَأْجِرُهُ الرَّجُلُ يَخْدُمُهُ أَوْ يَعْمَلُ لَهُ شَهْرًا فيمْرَضُ أَوْ يَأْبِقُ ذَلِكَ الشَّهْرِ: فَلَيْسَ عَلَى رَبِّ الْعَبْدِ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الْعَبْدَ يَعْمَلُ لَهُ شَهْرًا آخَرَ، وَالْأَجِيرُ كَذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَكَذَلِكَ الرَّاحِلَةُ بِعَيْنِهَا إذَا اكْتَرَاهَا لِيَرْكَبَهَا شَهْرًا بِعَيْنِهِ إنَّمَا تَكَارَى رُكُوبَهَا ذَلِكَ الشَّهْرَ أَوْ طَحِينَهَا فَإِذَا مَضَتْ تِلْكَ الْأَيَّامُ لَمْ يَلْزَمْ الْكَرِيَّ الْكِرَاءُ الَّذِي بَعْدَ تِلْكَ الْأَيَّامِ؛ لِأَنَّ أَصْلَ الْإِجَارَةِ لَمْ يَكُنْ دَيْنًا مَضْمُونًا، وَالْمَضْمُونُ في هَذَا وَاَلَّذِي في الدَّابَّةِ بِعَيْنِهَا مُخْتَلِفٌ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ رَفَعْتُ إلَى السُّلْطَانِ أَمْرِي حِينَ هَرَبَ الْمُكْرِي أَيَكْتَرِي لِي عَلَيْهِ أَمْ لَا؟
قَالَ: نَعَمْ يَكْتَرِي لَكَ عَلَيْهِ.
قُلْت: في كِرَاءِ مَكَّةَ وَغَيْرِ كِرَاءِ مَكَّةَ قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ لَوْ ذَهَبَ الْمُكْتَرِي فَرَفَعَ الْجَمَّالُ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ أَيُكْرِي الْإِبِلَ عَلَى الْمُكْتَرِي إلَى مَكَّةَ كَانَ الْكِرَاءُ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُ لَكَ مِنْ الرَّفْعِ إلَى السُّلْطَانِ في الْهَرَبِ وَكِرَاءِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمَا فَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.

.في الْمُتَكَارِي يَهْرُبُ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَكْرَى رَجُلٌ إبِلَهُ إلَى مَكَّةَ فَهَرَبَ الْمُكْتَرِي مَاذَا يَصْنَعُ الْجَمَّالُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَرْفَعُ أَمْرَهُ إلَى السُّلْطَانِ فيكْرِي الْإِبِلَ مِنْ الْمُتَكَارِي.
قُلْت: فيقْضِي السُّلْطَانُ لِلْجَمَّالِ مِنْ كِرَائِهِ هَذَا كِرَاءَهُ الَّذِي وَجَبَ لَهُ عَلَى الْهَارِبِ مِنْهُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ السُّلْطَانُ كِرَاءً؟
قَالَ: قَالَ لَنَا مَالِكٌ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا اكْتَرَى إبِلًا فَبَعَثَ بِهَا مَعَ الْجَمَّالِ عَلَى أَنْ يَحْمِلَ لَهُ مَتَاعَ كَذَا وَكَذَا مِنْ بَلَدِ كَذَا وَكَذَا إلَى بَلَدِ كَذَا وَكَذَا وَكَتَبَ إلَى وَكِيلِهِ مَعَ الْجَمَّالِ أَنْ يَدْفَعُ إلَى الْجَمَّالِ ذَلِكَ الْمَتَاعَ الَّذِي اكْتَرَاهُ عَلَى حُمُولَتِهِ فَقَدِمَ الْجَمَّالُ تِلْكَ الْبَلْدَةَ فَلَمْ يَجِدْ الْوَكِيلَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا لَمْ يَجِدْ الْوَكِيلَ تَلَوَّمَ لَهُ السُّلْطَانُ قَدْرَ مَا يَرَى مِمَّا لَا يَكُونُ فيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْجَمَّالِ، فَإِنْ جَاءَ الْوَكِيلُ فَدَفَعَ إلَيْهِ الْمَتَاعَ فَحَمَلَهُ، وَإِلَّا اكْتَرَى عَلَيْهِ السُّلْطَانُ الْإِبِلَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي اشْتَرَطَ عَلَى الْجَمَّالِ أَنْ يَحْمِلَ إلَيْهِ الْمَتَاعَ وَيَكُونَ الْكِرَاءُ لِلْمُكْتَرِي، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ السُّلْطَانُ كِرَاءً إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ خَلَّى عَنْ الْجَمَّالِ وَجَعَلَ الْكِرَاءَ لَهُ لَازِمًا كَامِلًا.
قُلْت: فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى وَكِيلِ الْمُكْتَرِي وَلَمْ يَرْفَعْ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ حَتَّى رَجَعَ؟
قَالَ: إنْ كَانَ في تِلْكَ الْبَلْدَةِ سُلْطَانٌ فَلَمْ يَرْفَعْ ذَلِكَ إلَيْهِ فَلَا يَبْطُلُ كِرَاؤُهُ وَيَكُونُ لَهُ عَلَيْهِ حُمُولَتُهُ وَيَرْجِعُ الثَّانِيَةَ يَحْمِلُ لَهُ حُمُولَتَهُ.
قُلْت: وَإِنْ كَانَ في بَلَدٍ لَيْسَ فيهَا سُلْطَانٌ قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ في بَلَدٍ لَيْسَ فيهَا سُلْطَانٌ تَلَوَّمَ لَهُ وَطَلَبَ كِرَاءَهُ وَانْتَظَرَ وَأَشْهَدَ، فَإِذَا فَعَلَ هَذَا، وَلَمْ يَأْتِ الْوَكِيلُ، وَلَمْ يَجِدْ كِرَاءً رَجَعَ، وَكَانَ لَهُ الْكِرَاءُ عَلَى الْمُكْتَرِي كَامِلًا.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ مَالِكٌ في الرَّجُلِ يَتَكَارَى مِنْ الرَّجُلِ الظَّهْرَ وَيُوَاعِدُهُ يَلْقَاهُ بِهَا بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا فيأْتِي صَاحِبُ الظَّهْرِ بِظَهْرِهِ فَلَا يَجِدُ الْمُكْتَرِيَ؟
قَالَ: أَرَى أَنْ يَدْخُلَ عَلَى إمَامِ الْبَلَدِ إلَّا أَنْ يَجِدَ كِرَاءً فَإِنْ انْصَرَفَ، وَلَمْ يُكْرِ وَلَمْ يَدْخُلْ عَلَى الْإِمَامِ لَمْ أَرَ لَهُ شَيْئًا إذَا كَانَ مَوْضِعًا فيهِ الْكِرَاءُ مَوْجُودًا إلَى الْبَلَدِ الَّذِي أَكْرَى إلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كِرَاءٌ مَوْجُودٌ أَوْ جَهِلَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى الْإِمَامِ لَمْ أَرَ أَنْ يَبْطُلَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ وَيَكُونَ لَهُ الْكِرَاءُ.

.الْإِقَالَةُ في الْكِرَاءِ:

قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ تَكَارَى ظَهْرًا عَلَى حُمُولَةٍ إلَى بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ أَوْ إلَى الْحَجِّ فَنَقَدَهُ الْكِرَاءَ أَوْ لَمْ يَنْقُدْهُ حَتَّى يَبْدُوَ لِلْمُكَارِي أَوْ لِلْمُتَكَارِي فَسَأَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ أَنْ يُقِيلَهُ بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ بِزِيَادَةٍ؟
قَالَ: أَمَّا مَا لَمْ يَبْرَحَا وَلَمْ يَرْتَحِلَا، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْقُدْهُ فَلَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ مِمَّنْ كَانَتْ مِنْ الْمُكْرِي أَوْ الْمُتَكَارِي وَيُفْسَخُ الْأَمْرُ بَيْنَهُمَا.
وَأَمَّا إنْ كَانَ نَقَدَهُ وَتَفَرَّقَا فَلَا بَأْسَ بِالزِّيَادَةِ مِنْ الْمُكْتَرِي، وَلَا خَيْرَ فيهَا مِنْ الْكَرِيِّ إنْ انْتَقَدَ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ كَأَنَّهُ أَسْلَفَهُ مِائَةً في عِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَكَانَ الْقَوْلُ بَيْنَهُمَا في الْكِرَاءِ مُحَلَّلًا وَإِنْ سَارَ مِنْ الطَّرِيقِ مَا يُتَّهَمُ في قَرْيَةٍ مَا يُخَافُ أَنْ يَكُونَا إنَّمَا جَعَلَاهُ لِعِلَّتِهِ تَحْلِيلًا بَيْنَهُمَا وَذَرِيعَةً إلَى الرِّبَا، فَالتُّهْمَةُ بَيْنَهُمَا بِحَالِهَا فَلَا خَيْرَ في ذَلِكَ، وَإِنْ سَارَ مِنْ الطَّرِيقِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُمَا لَمْ يَقْصِدَا لِذَلِكَ لِبُعْدِ مَا سَارَا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ مِنْ قِبَلِ الْكَرِيِّ، وَإِنْ كَانَ قَدْ انْتَقَدَ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُتَّهَمَانِ فيهِ، وَإِنْ زَادَ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهُ بِكَثِيرٍ وَلَا يُؤَخِّرُهُ، فَإِنْ دَخَلَهُ تَأْخِيرٌ كَانَ مِنْ وَجْهِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ.
قَالَ: وَإِنْ زَادَهُ الْمُكْتَرِي فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ قَبْلَ الرُّكُوبِ وَبَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَا إنَّمَا سَارَا الشَّيْءَ الْقَلِيلَ فَزَادَهُ الْكَرِيُّ فَالتُّهْمَةُ بِحَالِهَا.
قَالَ: وَهَذَا الَّذِي وَصَفْتُ لَكَ مِنْ الْإِقَالَةِ في أَمْرِ الْكِرَاءِ هُوَ مُخَالِفٌ لِلْبُيُوعِ، وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ قَالَ: وَإِذَا أَقَالَهُ وَكَانَ قَدْ نَقَدَهُ مِائَةَ دِينَارٍ كِرَاءَهُ كُلَّهُ فَأَقَالَهُ عَلَى أَنْ يَزِيدَهُ الْمُكْتَرِي عَشَرَةَ دَنَانِيرَ عَلَى أَنْ يَرُدَّ الْمُكْرِي إلَى الْمُكْتَرِي الْمِائَةَ الدِّينَارِ الَّتِي أَخَذَهَا؟
قَالَ: فَلَا يَصْلُحُ أَنْ يُعْطِيَهُ الْمُتَكَارِي الْعَشَرَةَ الدَّنَانِيرِ الَّتِي يَزِيدُهُ إلَّا أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهَا مِنْ الْمِائَةِ الدِّينَارِ الَّتِي يَأْخُذُهَا مُقَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ دَنَانِيرُ وَعُرُوضٌ بِدَنَانِيرَ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ الْمُكْتَرِي رُكُوبَهُ وَعَشَرَةَ دَنَانِيرَ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَلَا يَجُوزُ هَذَا، فَإِذَا رَدَّ عَلَيْهِ مِنْ الْمِائَةِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَهَذَا لَا يَدْخُلُهُ الْبَيْعُ وَإِنَّمَا هَذَا رَجُلٌ أَقَالَهُ مِنْ الْكِرَاءِ الَّذِي كَانَ لَهُ عَلَى أَنْ وَضَعَ الْمُكْتَرِي عَنْ الْكَرِيِّ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ فَلَا بَأْسَ بِهَذَا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُ مِنْ أَمْرِ الْكَرِيِّ وَالْمُتَكَارِي كُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ إلَّا تَفْسِيرَ إذَا زَادَ الْمُكْتَرِي الْكَرِيَّ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ مِنْ غَيْرِ الذَّهَبِ الَّتِي يَأْخُذُهَا فَإِنَّهُ رَأْيِي.
وَقَالَ غَيْرُهُ: لَا يَزِيدُ الْكَرِيُّ الْمُتَكَارِيَ - إذَا غَابَ عَلَى النَّقْدِ قَبْلَ الرُّكُوبِ وَلَا بَعْدَهُ - الْقَلِيلَ مِنْهُ وَلَا الْكَثِيرَ، فَإِنَّهُ لَا خَيْرَ فيهِ؛ لِأَنَّهُ سَلَفٌ جَرَّ مَنْفَعَةً.

.مَا جَاءَ في تَفْلِيسِ الْمُكْتَرِي:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اكْتَرَيْتُ دَابَّةً عَلَى حُمُولَةٍ اكْتَرَيْتُهَا لِأَحْمِلَ عَلَيْهَا إلَى مَكَّةَ فَعَرَضَ لِي غَرِيمٌ في بَعْضِ الْمَنَاهِلِ فَأَرَادَ أَخْذَ الْمَتَاعِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْكَرِيُّ أَوْلَى بِالْمَتَاعِ الَّذِي مَعَهُ عَلَى دَابَّتِهِ حَتَّى يَقْبِضَ حَقَّهُ، وَلِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَكْرُوهُ في مِثْلِ مَا حَمَلَ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي أَكْرَى إلَيْهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ الْغُرَمَاءُ: اضْرِبْ في هَذَا الْمَتَاعِ بِقَدْرِ كِرَائِكَ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ الَّذِي حَمَلْتَهُ إلَيْهِ وَقَالَ الْمُكْرِي: لَا وَلَكِنْ أَضْرِبُ بِجَمِيعِ الْكِرَاءِ إلَى مَكَّةَ؟
قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لِلْغُرَمَاءِ وَالْمُكْرِي أَوْلَى بِجَمِيعِ مَا حَمَلَ حَتَّى يَسْتَوْفي جَمِيعَ كِرَائِهِ إلَى مَكَّةَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَمْلُهُ إلَّا مَنْهَلًا وَاحِدًا، وَإِنْ قَبَضَ الْمَتَاعَ وَلَمْ يَحْمِلْهُ فَهُوَ سَوَاءٌ، وَهُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْغُرَمَاءِ، وَكَذَلِكَ الْخَيَّاطُونَ وَالْقَصَّارُونَ وَالْحَدَّادُونَ وَالصَّاغَةُ وَأَهْلُ الْأَعْمَالِ بِأَيْدِيهِمْ إذَا قَبَضُوا الْمَتَاعَ فَفَلَّسَ رَبُّ ذَلِكَ الْمَتَاعِ، وَلَمْ يُعْطُوا فيهِ شَيْئًا فَهُمْ أَوْلَى بِمَا في أَيْدِيهِمْ حَتَّى يَقْبِضُوا مِنْهُ جَمِيعَ حُقُوقِهِمْ وَيَكُونَ الْعَمَلُ عَلَيْهِمْ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

.كِتَابُ كِرَاءِ الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ:

.في الرَّجُلِ يَكْتَرِي الدَّارَ وَفيهَا النَّخْلُ فيشْتَرِطُ النَّخْلَ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اكْتَرَيْتُ دَارًا وَفيهَا شَجَرَاتُ نَخْلٍ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ لَمْ تَطِبْ ثَمَرَتُهَا أَوْ لَا ثَمَرَةَ فيهَا فَاشْتَرَطْتُ ثَمَرَةَ الشَّجَرِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَتْ شَجَرَاتٍ يَسِيرَةً فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ.
قُلْت: فَهَلْ حَدَّ مَالِكٌ فيهَا إذَا كَانَتْ ثَمَرَةُ الشَّجَرِ قِيمَةَ ثُلُثِ الْكِرَاءِ فَأَدْنَى أَنَّهُ جَائِزٌ.
قَالَ: سَمِعْتُ مَنْ يَذْكُرُ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ.
قَالَ: وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ وَقَفْتُ مَالِكًا عَلَيْهَا فَأَبَى أَنْ يَبْلُغَ بِي إلَى الثُّلُثِ وَقَدْ قَالَ لِي أَيْضًا غَيْرِي: إنَّهُ أَبَى أَنْ يَبْلُغُ بِهِ الثُّلُثَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اكْتَرَيْتُ دَارًا وَفيهَا نَخْلٌ كَثِيرٌ وَلَيْسَ النَّخْلُ تَبَعًا لِلدَّارِ، فَاكْتَرَيْتُ الدَّارَ وَاشْتَرَطْتُ مَا في رُءُوسِ النَّخْلِ مِنْ الثَّمَرَةِ؟
قَالَ: إنْ كَانَ مَا في رُءُوسِ النَّخْلِ قَدْ طَابَ لِلْبَيْعِ فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَإِنْ كَانَ مَا في رُءُوسِ النَّخْلِ لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهُ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَالْكِرَاءُ بَاطِلٌ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ مَا في رُءُوسِ النَّخْلِ قَدْ حَلَّ بَيْعُهُ فَاكْتَرَيْتُ الدَّارَ وَاشْتَرَطْتُ مَا في رُءُوسِ النَّخْلِ؟
قَالَ: ذَلِكَ جَائِزٌ.
قُلْت: فَإِنْ اكْتَرَيْتُ دَارًا، وَفيهَا نَخْلَةٌ أَوْ نَخْلَتَانِ أَوْ نَخَلَاتٌ فَاسْتَثْنَيْتُ ثَمَرَةَ هَذِهِ النَّخْلِ أَيَجُوزُ هَذَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ النَّخْلُ تَبَعًا لِلدَّارِ، وَهُوَ يَسِيرٌ جَازَ ذَلِكَ.
قُلْت: فَهَلْ كَانَ مَالِكٌ يَرَى إذَا كَانَتْ قِيمَةُ ثَمَرَةِ النَّخْلِ الثُّلُثَ وَكِرَاءِ الدَّارِ الثُّلُثَيْنِ جَعَلَهُ تَبَعًا أَمْ لَا؟
قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَرَى ذَلِكَ، وَلَقَدْ وَقَفْتُهُ عَلَى ذَلِكَ فَأَبَى أَنْ يَحُدَّ لِي فيهِ الثُّلُثَ، وَأَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ أَنَّهُ أَبَى أَنْ يَحُدَّ فيهِ الثُّلُثَ.
قُلْت: وَكَيْفَ يَعْرِفُ أَنَّ هَذِهِ الثَّمَرَةَ الَّتِي تَكُونُ في رُءُوسِ هَذِهِ النَّخْلَةِ الثُّلُثُ، وَالْكِرَاءَ الثُّلُثَانِ، وَلَيْسَ في النَّخْلِ يَوْمَ اكْتَرَى ثَمَرَةٌ؟
قَالَ: يُقَالُ: مَا قَدْرُ ثَمَنِ ثَمَرَةِ هَذِهِ النَّخْلِ، وَمَا قَدْ عُرِفَ في كُلِّ عَامٍ بَعْدَ عَمَلِهَا وَمُؤْنَتِهَا إنْ كَانَ فيهَا عَمَلٌ، وَمَا كِرَاءُ هَذِهِ الدَّارِ بِغَيْرِ اشْتِرَاطِ ثَمَرَةِ هَذِهِ النَّخْلِ، فَإِنْ كَانَ كِرَاءُ الدَّارِ هُوَ الْأَكْثَرَ.
وَثَمَنُ ثَمَرَةِ النَّخْلِ بَعْدَ مُؤْنَتِهَا أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ - جَازَ ذَلِكَ، وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ: أَنَّهُ مِثْلُ الْمُسَاقَاةِ إذَا كَانَ مَعَهَا الْبَيَاضُ، إذَا كَانَ الْبَيَاضُ الثُّلُثَ جَازَتْ الْمُسَاقَاةُ فيهِ أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى ثَمَنِ ثَمَرَةِ النَّخْلِ فيمَا قَدْ عُرِفَ مِنْ بَيْعِهِ فيمَا مَضَى مِنْ أَعْوَامِهِ ثُمَّ يُنْظَرُ إلَيْهِ مَا يُنْفَقُ فيهِ فيطْرَحُ مِنْ ثَمَنِ الثَّمَرَةِ ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى مَا بَقِيَ مِنْ ثَمَنِ الثَّمَرَةِ بَعْدَ مَا أُخْرِجَتْ قِيمَةُ الْمُؤْنَةِ ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى كِرَاءِ الْأَرْضِ كَمْ تُسَاوِي الْيَوْمَ لَوْ أُكْرِيَتْ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ كِرَاءِ الْأَرْضِ الثُّلُثَ مِنْ ثَمَنِ الثَّمَرَةِ بَعْدَ الَّتِي أُخْرِجَتْ مِنْ نَفَقَةِ السَّقْيِ في النَّخْلِ وَالْمُؤْنَةِ جَازَ ذَلِكَ وَلَا يُنْظَرُ إلَى ثَمَنِ الثَّمَرَةِ إذَا بِيعَتْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْسِبَ قِيمَةَ مُؤْنَتِهَا؛ لِأَنَّ النَّخْلَ قَدْ تُبَاعُ ثَمَرَتُهَا بِثَلَاثِمِائَةٍ، وَيَكُونُ مُؤْنَتُهَا في عَمَلِهَا وَسَقْيِهَا مِائَةً، وَيَكُونُ كِرَاءُ الْأَرْضِ خَمْسِينَ وَمِائَةً، فَلَوْ لَمْ تُحْسَبْ مُؤْنَةُ النَّخْلِ وَمُؤْنَةُ سَقْيِهَا جَازَتْ فيهَا الْمُسَاقَاةُ وَإِنَّمَا يُنْظَرُ الدَّاخِلُ إلَى مَا يَبْقَى بَعْدَ النَّفَقَةِ، وَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اكْتَرَيْت دَارًا وَفيهَا نَخْلٌ يَسِيرَةٌ فَاشْتَرَطْتُ نِصْفَ ثَمَرَةِ هَذِهِ النَّخْلِ، وَالنِّصْفُ لِرَبِّ الدَّارِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ في هَذَا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنَّمَا يَجُوزُ مِنْ هَذَا أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ تَبَعًا لِلدَّارِ أَوْ تُلْغَى، فَأَمَّا إذَا اشْتَرَطَ نِصْفَ الثَّمَرَةِ الْمُتَكَارِي فَهَذَا كَأَنَّهُ اشْتَرَى نِصْفَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا وَاكْتَرَى الدَّارَ بِكَذَا وَكَذَا.
قَالَ: وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: هُوَ بَيْعُ الثَّمَرِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ السَّيْفُ الْمُحَلَّى يَبِيعُهُ الرَّجُلُ بِالْفِضَّةِ وَفيهِ مِنْ الْفِضَّةِ الثُّلُثُ فَأَدْنَى فَبَاعَهُ السَّيْفَ وَاشْتَرَطَ الْبَائِعُ نِصْفَ فِضَّةِ السَّيْفِ؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَلْغَى الْفِضَّةَ وَكَانَ تَبَعًا لِلنَّصْلِ، فَإِذَا لَمْ يُلْغِ جَمِيعَهُ فَقَدْ صَارَ بَيْعَ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، وَكَذَلِكَ الْخَاتَمُ وَكُلُّ شَيْءٍ فيهِ الْحُلِيُّ هُوَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ مِمَّا يَجُوزُ لِلنَّاسِ اتِّخَاذُهُ.
وَالنَّخْلُ إذَا أَخَذْتهَا مُسَاقَاةً وَفيهَا بَيَاضٌ أَنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَجْعَلَا مَا خَرَجَ مِنْ الْبَيَاضِ بَيْنَهُمَا إذَا كَانَ الْعَمَلُ كُلُّهُ مِنْ عِنْدِ الدَّاخِلِ في الْحَائِطِ وَالنَّخَلَاتُ تَكُونُ في الدَّارِ إذَا اكْتَرَاهَا الرَّجُلُ وَاشْتَرَطَ نِصْفَ ثَمَرِ تِلْكَ النَّخَلَاتِ صَارَ صَاحِبُ الدَّارِ قَدْ وَضَعَ عِنْدَ الْمُتَكَارِي مِنْ كِرَاءِ الدَّارِ لِمَكَانِ مَا اشْتَرَطَ مِنْ نِصْفِ الثَّمَرَةِ فَكَأَنَّهُ بَيْعُ الثَّمَرَةِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ.
قُلْت: مَا فَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا؟
قَالَ: لِأَنَّ الْمُتَكَارِيَ أَيْضًا كَأَنَّهُ حِينَ اشْتَرَطَ أَنَّ لَهُ نِصْفَ الثَّمَرَةِ فَقَدْ زَادَتْ الدَّارُ في الْكِرَاءِ لِأَجْلِ مَا اشْتَرَطَ مِنْ نِصْفِ الثَّمَرَةِ الَّتِي اشْتَرَطَ وَإِذَا اشْتَرَطَهَا كُلَّهَا فَهِيَ مُلْغَاةٌ.
قُلْت: وَالنَّخْلُ وَالْبَيَاضُ هِيَ السُّنَّةُ، وَكَذَلِكَ عَامَلَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَهْلَ خَيْبَرَ؟
قَالَ: نَعَمْ إلَّا الَّذِي ذَكَرْتُ لَكَ مِنْ نِصْفِ فِضَّةِ السَّيْفِ وَنِصْفِ فِضَّةِ الْخَاتَمِ، فَإِنَّ ذَلِكَ عِنْدِي لَا يَجُوزُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اكْتَرَيْت الْبَيَاضَ وَفيهِ سَوَادٌ هُوَ الثُّلُثُ فَأَدْنَى فَاشْتَرَطْتُ نِصْفَ السَّوَادِ؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ هَذَا عِنْدَ مَالِكٍ.
ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سُوَيْدٍ الثَّقَفي عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ كَتَبَ إلَيْهِ في خِلَافَتِهِ وَعُثْمَانُ عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ في بَيْعِ الثَّمَرَةِ وَكِرَاءِ الْأَرْضِ أَنْ تُبَاعَ كُلُّ أَرْضٍ ذَاتِ أَصْلٍ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا أَوْ ثُلُثِهِ أَوْ رُبْعِهِ أَوْ الْجُزْءِ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا عَلَى مَا يَتَرَاضَوْنَهُ وَلَا تُبَاعُ بِشَيْءٍ سِوَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَأَنْ يُبَاعَ الْبَيَاضُ الَّذِي لَا شَيْءَ فيهِ مِنْ الْأُصُولِ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَقَالَ لِي مَنْ أَثِقُ بِهِ: كَانَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُونَ في الْأَرْضِ يَكُونُ فيهَا الْأَصْلُ وَالْبَيَاضُ أَيُّهُمَا كَانَ رِدْفًا أُلْغِيَ وَأُكْرِيَتْ بِكِرَاءِ أَكْثَرِهِمَا إنْ كَانَ الْبَيَاضُ أَكْثَرَهُمَا أُكْرِيَتْ بِالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَإِنْ كَانَ الْأَصْلُ أَكْثَرَ أُكْرِيَتْ بِالْجُزْءِ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ ثَمَرِهِ.
وَقَدْ قَامَتْ بِهَذَا في السَّوَادِ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ في خَيْبَرَ قَالُوا: أَيُّهُمَا كَانَ رِدْفًا أُلْغِيَ وَحُمِلَ كِرَاؤُهُ عَلَى كِرَاءِ صَاحِبِهِ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَنَّ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ الَّذِي مَضَى عَلَى أَنَّهُمْ يُسَاقُونَ الْأَصْلَ وَفيهِ الْبَيَاضُ تَبَعٌ وَيُكْرُونَ الْأَرْضَ الْبَيْضَاءَ وَفيهَا الشَّيْءُ مِنْ الْأَصْلِ فَأَخْبَرَ مَالِكٌ أَنَّهُ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ، وَأَنَّهُ الَّذِي مَضَى مِنْ أَمْرِهِمْ، وَالْعَمَلُ أَقْوَى مِنْ الْإِخْبَارِ.

.(في الرَّجُلِ يَكْتَرِي الدَّارَ وَالْحَمَّامَ وَيَشْتَرِطُ كَنْسَ التُّرَابِ):

في الرَّجُلِ يَكْتَرِي الدَّارَ وَالْحَمَّامَ وَيَشْتَرِطُ كَنْسَ التُّرَابِ وَالْمَرَاحِيضِ وَالْقَنَوَاتِ:
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَأْجَرْت دَارًا فَاشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّ الدَّارِ كُنَاسَةَ الْمَرَاحِيضِ وَكُنَاسَةَ التُّرَابِ أَيَجُوزُ هَذَا أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا أَرَى بِهَذَا بَأْسًا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اكْتَرَيْتُ مِنْكَ دَارًا أَوْ حَمَّامًا وَاشْتَرَطْتُ عَلَيْكَ كَنْسَ مَرَاحِيضِ دَارِكَ أَوْ غُسَالَةَ حَمَّامِكَ؟
قَالَ: أَرَى ذَلِكَ جَائِزًا، وَغُسَالَةُ الْحَمَّامِ وَكَنْسُ الْمَرَاحِيضِ سَوَاءٌ فَأَرَى ذَلِكَ جَائِزًا إذَا اشْتَرَطَ عَلَى رَبِّ الدَّارِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ وَجْهٌ قَدْ عُرِفَ.
قُلْت: تَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا.

.(في الرَّجُلِ يُكْرِي دَارِهِ سَنَةً عَلَى أَنَّهَا إنْ احْتَاجَتْ مَرَمَّةً رَمَّهَا):

في الرَّجُلِ يُكْرِي دَارِهِ سَنَةً عَلَى أَنَّهَا إنْ احْتَاجَتْ مَرَمَّةً رَمَّهَا الْمُتَكَارِي مِنْ الْكِرَاءِ:
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَكْرَى دَارِهِ بِعِشْرِينَ دِينَارًا سَنَةً عَلَى أَنَّهَا إنْ احْتَاجَتْ الدَّارُ إلَى مَرَمَّةٍ رَمَّهَا الْمُتَكَارِي مَنْ الْعِشْرِينَ الدِّينَارِ؟
قَالَ: سَأَلْنَا مَالِكًا عَنْهَا فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ.
قُلْت: فَإِنْ أَكْرَاهُ عَلَى إنْ احْتَاجَتْ الدَّارُ إلَى مَرَمَّةٍ رَمَّهَا مِنْ الْعِشْرِينَ الدِّينَارِ، وَإِنْ احْتَاجَتْ إلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ زَادَ مِنْ عِنْدِهِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُعْجِبُنِي هَذَا وَلَا خَيْرَ فيهِ.
قُلْت: وَإِنْ كَانَ اكْتَرَى عَلَى أَنَّ مَا احْتَاجَتْ الدَّارُ إلَيْهِ مِنْ مَرَمَّةٍ أَنْفَقَ عَلَيْهَا الْمُتَكَارِي مِنْ الْكِرَاءِ الَّذِي اكْتَرَى الدَّارَ بِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ في قَوْلِ مَالِكٍ قَلَّ أَوْ كَثُرَ؟
قَالَ: نَعَمْ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ مِنْ الْكِرَاءِ بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ مِنْ غَيْرِ الْكِرَاءِ.

.(في الرَّجُلِ يَكْتَرِي الدَّارَ وَالْحَمَّامَ وَيَشْتَرِطُ مَرَمَّةَ مَا وَهَى):

في الرَّجُلِ يَكْتَرِي الدَّارَ وَالْحَمَّامَ وَيَشْتَرِطُ مَرَمَّةَ مَا وَهَى وَيَشْتَرِطُ دُخُولَ الْحَمَّامِ وَالطِّلَاءَ:
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ اسْتَأْجَرْت دَارًا أَوْ حَمَّامًا عَلَى أَنَّ عَلَيَّ مَرَمَّتَهُ أَيَجُوزُ هَذَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمَرَمَّةَ مِنْ كِرَاءِ الدَّارِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَأْجَرْتُ دَارًا عَلَى مَنْ مَرَمَّةُ الدَّارِ وَكَنْسُ الْكَنَفِ وَإِصْلَاحُ مَا وَهَى مِنْ الْجُدَرَانِ وَالْبُيُوتِ؟
قَالَ: عَلَى رَبِّ الدَّارِ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: سَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يُكْرِي الدَّارَ وَيَشْتَرِطُ عَلَى أَنَّهُ إنْ انْكَسَرَتْ خَشَبَةٌ أَوْ احْتَاجَتْ الدَّارُ إلَى مَرَمَّةٍ يَسِيرَةٍ كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْمُتَكَارِي قَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ في ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ مِنْ كِرَائِهَا فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ الْمَرَمَّةَ كُلَّهَا في قَوْلِ مَالِكٍ عَلَى رَبِّ الدَّارِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ قَدْرَ الْحَمَّامِ إذَا اخْتَلَفَ فيهِ رَبُّ الْحَمَّامِ وَمُتَكَارِي الْحَمَّامِ؟
قَالَ: هُوَ لِرَبِّ الْحَمَّامِ وَذَلِكَ أَنَّهُ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الْبُنْيَانِ.
قُلْت: أَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا أَحْفَظُهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَأْجَرْتَ حَمَّامًا كُلَّ شَهْرٍ بِكَذَا وَكَذَا دِينَارًا عَلَى أَنَّ عَلَيَّ لِرَبِّ الْحَمَّامِ مَا احْتَاجَ إلَيْهِ أَهْلُهُ مِنْ الطِّلَاءِ بِالنُّورَةِ وَمِنْ دُخُولِ الْحَمَّامِ؟
قَالَ: لَا خَيْرَ في هَذِهِ الْإِجَارَةِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ مِنْ الطِّلَاءِ وَالدُّخُولِ أَمْرًا مَعْرُوفًا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَأْجَرْتُ دَارًا عَلَى أَنَّ عَلَيَّ تَطْيِينَ الْبُيُوتِ؟
قَالَ: هَذَا جَائِزٌ إذَا سَمَّيْتُمْ تَطْيِينَهَا كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ في كُلِّ سَنَتَيْنِ مَرَّةً فَهَذَا جَائِزٌ، فَإِنْ كَانَ إنَّمَا قَالَ لَهُ: إذَا احْتَاجَتْ طَيَّنْتَهَا فَهَذَا مَجْهُولٌ وَلَا يَجُوزُ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: هَذَا رَأْيِي.

.في اكْتِرَاءِ الْحَمَّامِ وَالْحَوَانِيتِ:

قُلْت: أَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ إجَارَةَ الْحَمَّامِ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِكِرَاءِ الْحَمَّامَاتِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَأْجَرْتُ حَمَّامَيْنِ أَوْ حَانُوتَيْنِ فَانْهَدَمَ أَحَدُهُمَا أَيَكُونُ لِي أَنْ أَرُدَّ الْآخَرَ أَمْ يَلْزَمُنِي بِحِصَّتِهِ مِنْ ثَمَنِ الْكِرَاءِ؟
قَالَ: إنْ كَانَ الَّذِي انْهَدَمَ هُوَ وَجْهُ مَا اكْتَرَيْتُ وَمِنْ أَجْلِهِ اكْتَرَيْتُ هَذَا الْبَاقِيَ، فَالْكِرَاءُ مَرْدُودٌ وَإِنْ كَانَ مَا انْهَدَمَ لَيْسَ مِنْ أَجْلِهِ اكْتَرَيْتُ هَذَا الْبَاقِيَ فَهُوَ يَلْزَمُهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ ثَمَنِ الْكِرَاءِ.